كتب علاء شمالي أن أنس الشريف نشأ في قلب غزة، حيث تُقاس الأيام بعدد المعارك التي لا تنتهي. لم يولد وفي يده كاميرا، لكنه وُلد وسط دخان متصاعد، وأنقاض متناثرة، وأصوات راديو تكرر أسماء الشهداء عند فجر كل يوم جديد.

وذكرت ذا كناري أن أنس نشأ في مخيم جباليا للاجئين، مدركًا أن كل بيت يحمل قصة مأساة قصف، وأن كل شارع يحمل ذكرى من فقد حياته. درس الإذاعة والتلفزيون، لكن اختار الشوارع الموحلة بدل المكاتب الهادئة، حيث نقل أصوات الانفجارات ودموع الناس للعالم مهما كلفه الأمر.

عرف أنس أن الكاميرا قد تجعله هدفًا، لكنه آمن أن العدسة هي أقوى سلاح لكسر جدار الصمت. تسلق أسطح المباني، وبحث عن إشارة إنترنت في أركان المستشفيات، واجتاز الشوارع المدمرة ليوثق أطفالًا جائعين وأمهات يبحثن عن الخبز وسط الركام.

واجه الاحتلال حملات تحريض مستمرة ضده، وصُنّفت اتهامات لتبرير اغتياله. ثم جاء ذلك الأحد المأساوي حين قصفت طائرات الاحتلال خيمة الصحفيين قرب مستشفى الشفاء، فاستشهد أنس وزملاؤه، وتركت الكاميرات معلقة في فراغ وصمت قاتل.

قبل ساعات من استشهاده، تحدث أنس على الشاشة عن أطفال يموتون ببطء من الجوع. لم يدرك أن صورته التالية ستظهر على الأخبار، لكن هذه المرة بلا صوت، مع عنوان موجز: "أنس الشريف استشهد".

لم تفقد غزة صحفيًا فقط، بل فقدت شاهدًا يحمل ألمها على كتفيه، وجسرًا يربط أزقتها بعيون العالم. تبقى تقاريره في الأرشيف، لكنها ليست مجرد مواد إعلامية، بل شظايا من روح مدينة لا تزال تكافح من أجل الحياة.

تحول أنس إلى شهيد، لكنه ظل شاهدًا على الإبادة الجماعية، جوع الأطفال، أمهات يبحثن عن فتات الخبز بين الأنقاض، مهجرين يسيرون في طرق موحلة تحت المطر والقصف، أجساد الأبرياء في ممرات المستشفيات الباردة، وصوت البيوت التي تنهار حجرًا بعد حجر، وسط صمت عالمي يتجاهل كل ذلك كما لو كان مشهدًا عابرًا.

https://www.thecanary.co/opinion/2025/08/11/anas-al-sharif-killed/